يقع "بَستون" أو الكهف ذو الأعمدة في سلسلة جبال برادوست ضمن الحدود الإدارية لقضاء سوران التابع لمحافظة أربيل في كردستان العراق، وهو أكبر كهوف الإقليم والعراق، ويبلغ طوله ما يقارب 100 متر وعرضه 40 متراً، في حين يصل ارتفاعه إلى 10 أمتار.
ومن أهم ما يتميز به الكهف أنه يحتوي على أعمدة تشكلت من الكريستال بشكل طبيعي ومدهش، ويقال إن تسميته جاءت من هذه الأعمدة التي تعني "بستون" باللغة الكردية.
تُحفة فنية
يضمّ الكهف داخله أشكالا وأجساما ومُجسماتٍ غريبة، تكوّنت بفعل الطبيعة من قطرات الماء المُتساقطة من الأعلى الى الأسفل وتسمى أيضاً الصواعد (stalagmites) والهوابط (stalactites) أو الأعمدة الصاعدة والمتدليات، لتشكّل تحفةً فنيّة دون أي تدخّل بشري.
تتكوّن الأعمدة الصاعدة من كربونات الكالسيوم التي تتراكم على أرضية الكهف من جراء تقاطر المياه المعدنية عبر آلاف السنين، وفقاً للأبحاث والدراسات العلمية. وأمّا الهوابط فتتشكل، وهي تتدلى من أسقف الكهوف الرطبة، بطريقة تكون الصواعد نفسها.
وقد عُثرت على بقايا لعظام الحيوانات وقطع فخارية مع أنواعٍ من الحجارة النادرة عند مدخل الكهف، عندما عمل الآثاري فؤاد سفر مع نظيره هنري فيلد من جامعة شيكاغو الأميركية في أبريل/ نيسان عام 1950 تنقيبا عنه، وقد تبيّن أن هذه الآثار تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، أي العصر الحجري.
وبالإضافة إلى الأرضية الطينية اللزجة والتي يصعب المشي عليها لمسافات بعيدة، فإن الكهف يلفه ظلام دامس كلما دخله الإنسان لمسافة أطول لعدم وصول النور أو أشعة الشمس إلى مسافات أعمق.
لماذا يُشكلُ خطراً على الإنسان؟
ويقول مدير دائرة الآثار في قضاء سوران عبد الوهاب سليمان إنه ربما عاش الإنسان في هذا الكهف بشكل مؤقت -حسب استكشافات سفر وفيلد- كأن يكون هناك استقرار موسمي لاسيما من قبل الصيادين أو الرعاة الذين كانوا يُقيمون فيه فترة محدودة، وذلك بسبب عدم وجود بركة ماء تساعد على إدامة الحياة.
ويؤكد سليمان أن المياه النازلة من سقف الكهف محملة بالأملاح المعدنية بنسبة عالية والتي تجعل منها غير صالحة للشرب أبدا.
ورغم ما يتميّز به بستون عن الكهوف الأخرى، فإن الجهات الحكومية لم تستثمره بالشكل الصحيح حتى الآن من خلال تحويله إلى مركز سياحي للسائحين أو طلبة العلم والمراكز العلمية والبحثية.
وأكثر ما يمنع تحويل الكهف الى مركز سياحي هو عدم وجود طريق مُعبّد للوصول إليه، فيجب قطع عدة كيلومترات سيراً على الأقدام للوصول إليه، بالإضافة إلى أنه يشكل خطراً على حياة الإنسان في بعض أجزائه لاسيما أن الأجسام الموجودة فيه يُمكن أن تُكسر بسهولة فيبلغ وزن أقل قطعة منها نحو 70 كلغم، وهذا ما قد يؤدي إلى موت الإنسان في حال سقط عليه.
ويُشدّد سليمان -في حديثه للجزيرة نت- على ضرورة استغلال هذا المعلم الطبيعي ليكون أحد أهم الأماكن السياحية بالمنطقة مع مراعاة تذليل بعض العقبات التي من شأنها أن تعرقل تطوّر مشروع سياحي مهم كهذا، وفي مقدمتها تهيئة طريق الوصول إليه ليكون مناسباً للوفود السياحية من مختلف أنحاء العالم.
الإهمال الحكومي
من جانبه يقول الكاتب المُتخصص في الشؤون التاريخية إبراهيم أحمد بالكي إن هناك بركة ماء في الكهف يخرج منها صوت غريب جداً، وهذا ما حيّر أحد خبراء الجيولوجيا أثناء مرافقته له في إحدى الزيارات لإجراء دراسات وأبحاث جيولوجية. وأكثر ما يُثير استغراب الكاتب أن هذا الكهف يختلف تماماً عن الكهوف الأخرى من الناحية الجيولوجية، وأيضاً لم يفلح أي إنسان حتى اليوم في تحديد نهايته.
وينتقد بالكي -في حديثه للجزيرة نت- الإهمال الحكومي للكهف والذي حوّله إلى ملجأ للحيوانات خلال فصلي الربيع والصيف، مقترحاً في ذات الوقت بتخصيص فريق خاص يهتم بالكهف من الناحية الآثارية والإعلامية للترويج له، لجعله مركزاً سياحيا وعلمياً لتوسيع الأبحاث والدراسات عليه.
أمّا الناشط كريم أحمد فيرى أن وجود مثل هذه الأماكن التاريخية ذات القيمة العلمية يمكن أن تزيد الحركة الاقتصادية في تلك المناطق وتوفر فرص عمل لسُكانها، ويُشير في حديثه للجزيرة نت إلى وجود الكثير من الأماكن والمواقع الأثرية المُهمشة التي يعين أن تحظى باهتمام ورعاية الجهات المعنية.