بالفيديو / بالفيديو.. انتشر مقطع فيديو من معهد ابن رشيق ببئر مشارقة وأثار جدلًا واسعًا على مواقع التواصل.. / Video Streaming
Video Streaming
شاهد الفيديو فالمقال
أثارت حادثة وقعت في معهد ابن رشيق بمنطقة بئر مشارقة من ولاية زغوان جدلاً واسعًا في تونس، بعد انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مدير المعهد وهو يجر فتاة داخل ساحة المؤسسة التربوية، وسط صراخ وتجمهر عدد من التلاميذ. الفيديو انتشر بسرعة، وخلق موجة من الاستنكار والغضب، حيث اعتبر البعض أن ما حدث يعدّ اعتداءً على كرامة التلميذة، في حين دعا آخرون إلى التريث وانتظار الرواية الرسمية قبل إصدار الأحكام.
في ظل هذا الجدل، أصدرت إدارة المعهد توضيحًا رسميًا كشفت فيه عن تفاصيل الحادثة، مؤكدة أن ما تم تداوله في مقطع الفيديو لا يعكس الحقيقة الكاملة لما جرى. وجاء في البيان أن الفتاة التي ظهرت في الفيديو ليست تلميذة مسجلة بالمؤسسة، بل اقتحمت المعهد دون ترخيص في فترة الظهيرة، وبدأت في الاعتداء على المدير بالضرب والشتم، كما تهجّمت على عدد من الإداريين والعاملين، مما تسبب في حالة من الفوضى داخل الساحة.
وأضاف البيان أن المدير حاول السيطرة على الوضع ومنعها من التسبب في مزيد من الإزعاج أو الاعتداء على الموظفين، وهو ما فسّره البعض في الفيديو على أنه “جرّ” للتلميذة بطريقة عنيفة. إلا أن الإدارة أكدت أن ما قام به المدير كان “محاولة لضبط الوضع ومنع الاعتداءات” وليس اعتداءً كما روّجت له بعض الصفحات.
من جانبها، أوضحت المندوبية الجهوية للتربية بزغوان أنها فتحت تحقيقًا إداريًا عاجلًا لمعرفة كل الملابسات بدقة، واستدعاء الأطراف المعنية، بمن فيهم المدير، شهود العيان، وبعض العاملين بالمعهد. كما أكدت أنها تتعامل بجدية مع كل ما يخصّ سلامة الإطار التربوي والتلاميذ على حد سواء، مشددة على ضرورة احترام حرمة المؤسسات التربوية وعدم اقتحامها من قبل أطراف خارجية.
وفي تطور آخر للقضية، تبيّن أن ولي الفتاة قدّم اعتذارًا رسميًا لإدارة المعهد بعد اطلاعه على تفاصيل الحادثة، مؤكدًا أن ابنته كانت في “حالة نفسية غير مستقرة” وأنه لا يبرر تصرفها لكنه يأسف لما حصل. وقد لاقى هذا الاعتذار صدى إيجابيًا في صفوف الإطار التربوي، الذي دعا إلى طيّ الصفحة والتركيز على ضرورة الحدّ من حالات العنف التي أصبحت تشهدها المؤسسات التربوية في الفترة الأخيرة.
على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسمت الآراء بين من دافع عن المدير معتبرًا أنه تصرف بطريقة مسؤولة لحماية نفسه والمؤسسة، وبين من رأى أن أي تعامل جسدي مع فتاة قاصر، مهما كانت الظروف، غير مقبول تربويًا وأخلاقيًا. ودعا ناشطون إلى ضرورة تزويد المؤسسات التعليمية بأعوان أمن قارّين لتفادي مثل هذه المواقف التي يضطر فيها المديرون أو الأساتذة إلى مواجهة حالات عنف أو اقتحام بمفردهم.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في تونس، إذ تشهد المدارس والمعاهد في السنوات الأخيرة تصاعدًا في مظاهر العنف المدرسي، سواء بين التلاميذ أنفسهم أو ضد الإطار التربوي. وتشير تقارير وزارة التربية إلى تسجيل مئات الحوادث سنويًا تتنوع بين العنف اللفظي والجسدي، مما دفع إلى إطلاق برامج تربوية تهدف إلى “المدرسة الآمنة” وإلى تعزيز ثقافة الحوار والتسامح داخل المؤسسات.
من جهة أخرى، عبّر عدد من النقابيين في قطاع التعليم عن دعمهم لمدير المعهد، معتبرين أنه “ضحية لحملة تشويه غير عادلة”، وأنه تصرف في لحظة فوضى لمحاولة حماية زملائه والتلاميذ. كما شددوا على ضرورة توفير حماية قانونية لكل الإطارات التربوية، خصوصًا بعد تكرار حوادث الاعتداء عليهم سواء من قبل التلاميذ أو أوليائهم.
وفي المقابل، دعت جمعيات حقوقية إلى التعامل مع الحادثة بموضوعية واحترام كرامة جميع الأطراف، مشيرة إلى أن تصوير مثل هذه المشاهد ونشرها على الإنترنت دون إذن يمكن أن يمسّ بحقوق الأشخاص المعنيين ويؤدي إلى تأجيج التوتر الاجتماعي. وطالبت وزارة التربية بوضع مدوّنة سلوك واضحة تضبط كيفية التعامل مع الحالات الطارئة داخل المدارس وتحدّد صلاحيات الإطار التربوي في مثل هذه المواقف.
من جانبها، أكدت بعض المصادر التربوية أن المدير يتمتع بسمعة طيبة وبمسيرة طويلة في قطاع التعليم، وأنه لطالما كان حريصًا على مصلحة التلاميذ وانضباط المؤسسة. أما الفتاة، فقد تم استدعاؤها مع وليّها من قبل السلطات المحلية لمتابعة وضعها الاجتماعي والنفسي، خاصة بعد ظهور مؤشرات تفيد بأنها كانت تمرّ بظروف عائلية صعبة.
القضية أعادت إلى الواجهة النقاش حول العلاقة بين الأسرة والمدرسة، وحول ضرورة إشراك الأولياء في معالجة السلوكيات المنحرفة قبل أن تتطور إلى حوادث عنف. كما أعادت التأكيد على حاجة المؤسسات التعليمية إلى دعم نفسي واجتماعي أكثر، وتكوين الإطارات التربوية في كيفية التعامل مع الأزمات الطارئة داخل المعاهد.
وبين الاتهامات والدفاعات، يبقى الهدف الأسمى هو حماية المدرسة التونسية من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى، وصون كرامة الجميع، تلاميذ كانوا أو مربين. فالتربية لا يمكن أن تزدهر في أجواء التوتر والعنف، بل في بيئة يسودها الاحترام والانضباط والوعي بالمسؤولية المشتركة.
Video Streaming