إذا كنا بصدد النظر في حياة من سبقونا والاعتبار منها، فقد سجلت ريشة رسامين عدة
مقدار ما تحتويه الحياة البسيطة من دعة وراحة بال في العديد من اللوحات.
قد تكون السعادة مرتبطة في ذهن كثيرين بالقدرة على تحصيل أكبر قدر من الشهرة على منصات التواصل الاجتماعي. آخرون قد يظنون أن راحة البال قد تكون رهنا بالوصول لنمط حياة معين، يتم استعراضه على إنستغرام أو غيره، يكون فيه السفر لمدن بعيدة أو التجول في أماكن فارهة والعيش في منازل ذي مواصفات معينة هو السبيل الوحيد لتحقيق الرضا. وقد يكون الأمر على عكس ذلك كله.
فقد نشرت دراسات نفسية توضح العلاقة بين كثرة الولوج لموقع التواصل الاجتماعي الشهير إنستغرام والإصابة بمرض الاكتئاب. وتستعرض إحدى تلك الدراسات كيف أن الصور الرائعة التي تعكس نمط حياة رائع لأشخاص سعداء تسبب القلق والاكتئاب للطبقات الاجتماعية الأقل حظا التي لا تستطيع مواكبة هذا النمط الاستعراضي.
ى لوحة في العالم
end of listوجدير بالذكر، أن تلك النسب العالية من الإصابة بمرض الاكتئاب أو القلق لم تكن موجودة في عصر ما قبل منصات التواصل الاجتماعي. ومرد ذلك أن الناس كانوا أكثر انغماسا في حياتهم الخاصة فلا يوجد مجال للاطلاع على حيوات غيرهم ولا يكاد يوجد وقت فارغ إلا ملأته التجمعات العائلية والدردشات الواقعية لا الافتراضية.
فأن يعود المرء من عمله بعد يوم مجهد شاق ليجد بيت تملأه المحبة وإن كان فقيرا أو بسيطا لهو أفضل من صور احترافية تحتاج اللقطة الواحدة منها لوقفة معينة ونظرة معينة وبسمة معينة وثياب معينة وما إلى ذلك، حتى لا يكاد يبقى من عفوية الحياة شيء إلا وقتله التصنع والتجمل من أجل مواقع التواصل الاجتماعي. وإذا كنا بصدد النظر في حياة من سبقونا والاعتبار منها، فقد سجلت ريشة رسامين عدة مقدار ما تحتويه الحياة البسيطة من دعة وراحة بال في العديد من اللوحات.
أسرة سعيدة
فقد قدم الرسام الإيطالي يوجينيو زامبيغي (1859-1944) في لوحته "أسرة سعيدة" (A happy family) بيتا شديد البساطة من حيث الأثاث والمتاع؛ لكنه شديد الثراء من حيث الأنس والسعادة. أم مبتهجة وهي تحضر الطعام وطفلة صغيرة تحاول إطعام رضيع في المهد وعلى الأرض دجاجة تطعم فراخ صغيرة.
تتسم اللوحة، كمعظم لوحاته، بالأزياء الجيدة والمبهجة وإن كانت بسيطة. الأجواء مفعمة بالحياة والألوان وامضة نابضة. تجمع هذه الأجواء البسيطة المبهجة بين مبادئ المدرسة الواقعية في الرسم واللون مع حبكة مسلية وقصصية. وهو ما يجعل يوجينيو زامبيغي واحدا من أكثر الرسامين القصصيين مهارة وبراعة.
فرد من العائلة
وقدم الرسام الإنجليزي فريدريك جورج كوتمان (1850-1920) في لوحته "فرد من العائلة"، عام 1880، هذا المشهد الرومانسي للحياة المنزلية الريفية لإحدى القصص المصورة. يقاطع الحصان عائلة ريفية أثناء تناول الإفطار مطلا برأسه من الشباك فتناوله الأم بعض الطعام.
الجدة تقطع الخبز للعائلة والأم تطعم الحصان والأطفال مجتمعون حول الطاولة مع الأسرة في منزل ريفي بسيط ودافئ. ويذكر الرسام أن هذا الحصان يأتي لمنزلهم كل يوم، وكان الحصان دائما ببلدة كوتمان في إنجلترا، حيث كان يجلس إلى الطاولة مع أمه. فالرسام هو الصبي الصغير الجالس إلى طاولته.
واللوحة مرسومة على المذهب الواقعي وتتمتع بقدر كبير من التناسق بين الألوان وأداء الشخصيات التي تتحرك بعفوية وهي تتناول الإفطار. الطاولة والطعام يأتيان شديدي الواقعية، حتى إن بعض النقاد اعتبروا أن اللوحة تعد نموذجا جيدا ليس فقط على حرفية كوتمان أو بساطة وسلام الحياة الريفية؛ بل هي نموذج فيما يجب أن تكون عليه معاملة الحيوانات.
الجدة هي الأفضل
يقال إن رساما نمساويا يسمى أدولف هامبورغ (1847-1921) أراد أن يرسم الشعور بالأمان، فرسم مشهدا بسيطا جدا لجدة تخيط ثياب حفيدها وهو ممد على بطنه تحت يديها. اللوحة التي أتت بعنوان "الجدة هي الأفضل" (Grandmother Is The Best)، كانت تصويرا واقعيا لأسرة ريفية فقيرة تعيش في منزل خشبي بسيط ترتدي ثيابا رثة لكن يفوح من بيتهم البسيط رائحة الأمان.
الجدة تحمل حفيدها وتخيط بنطاله المقطوع فيما تقف حفيدة أخرى أمامها وهي تحمل لعبة في يدها. يظهر على الجميع إمارات الرضا والراحة رغم بساطة المنزل الذي يعيشون فيه. ويبتسم الصغير في اللوحة للرائي وكأنه حاز الدنيا وما فيها بوجود جدته.
حلقة الخياطة
ونرى في لوحة "حلقة الخياطة" (The Swing Circle)، -الصورة الرئيسية في هذا التقرير- للرسام الواقعي دانيال ريدجواي نايت (1839-1924) منظرا ريفيا مريحا للنفس؛ حيث تجلس بعض النسوة أمام أكواخهن في المراعي يقمن بحياكة بعض الثياب ويتبادلن أطراف الحديث. نرى على يسار مجموعة النسوة بئر ماء كبير، وتضيف شرائط الزهور البرية ومضات من الألوان البراقة للوحة.
وتمثل لوحات نايت أفضل تمثيل للمناظر الطبيعية وحياة الريف والفلاحين في القرن الـ19. وقد بلغت دقة موهبته وقدرته على الإبداع أنه كان رساما بارزا في حياة الفلاحين. وشملت مواضيعه المفضلة النساء في الحقول وهن يجمعن الزهور.